مفهوم الصحه النفسيه
يمكن القول أن مفهوم الصحه النفسيه قد نما وتطور مع تقدم علم الصحه النفسيه، فبعد أن كانت الصحه النفسيه تدل على معنى سلبي محدود وهو خلو الفرد من الاضطرابات النفسيه ، فقد تطورت إلى مفهوم إيجابي أكثر شمولا بحيث أصبحت ترتبط بقدره الفرد على تحقيق التكيف مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه ، وهذا بدوره يؤدي إلى حياه خاليه من الأزمات والمرض النفسي ،ثم بدأ يتسع مفهوم الصحه النفسيه ليشمل قدره الفرد على المحافظه على قدر من استقلاليته بأن يعيش القيم والمثل العليا التي يؤمن بها أي أن يحقق رسالته في الحياة.
ومن خلال التعريفات للصحه النفسيه بأنها حاله دائما نسبيا يكون فيها الفرد متوافقا نفسيا (شخصيا وفعلا واجتماعيا) أي مع نفسه ومع بيئته ، ويشعر فيها بالسعاده مع نفسه ومع الاخرين ويكون قادرا على تحقيق ذاته وإستغلال قدراته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن ، ويكون قادرا على مواجهه مطالب الحياه ، وتكون شخصيته متكامله سويا ، و يكون سلوكه عاديا بحيث يعيش في سلامه وسلام .
للصحه النفسيه مفاهيم متعدده ومتنوعه ، ليس من السهل الأخذ بمفهوم واحد للصحه النفسيه ، لأن هذا المفهوم يرتبط بتحديد معنى السواء واللاسواء في علم النفس ، وأحد تلك المفاهيم هو المفهوم السلبي للصحه النفسيه الذي ينص على أن الصحه النفسيه هى خلو الفرد من الإضطرابات النفسيه ، حيث يحظى هذا المفهوم بقبول واسع لدى المتخصصين في العلاج النفسي
، ولكن عند تحليل هذا المفهوم نجد فيه الكثير من النقص و المحدوديه لأنه أقتصر على جانب واحد من جوانب الصحه النفسيه ، فقد نجد العديد من الاشخاص الذين لا يعانون من أي اضطراب نفسي ولكنهم لا يتمتعون بالصحه النفسيه بسبب عدم رضاهم عن ذاتهم ،ة أو فشلهم في أقامه علاقات اجتماعيه جيده مع الاخرين ، أو عدم توفيقهم بين قدراتهم وبين أهدافهم وطموحاتهم .
يتبين من ذلك أن الصحه النفسيه لا تعني فقط خلو الفرد من أعراض الاضطراب النفسي ، وإنما يمتد مفعولها ليشمل العديد من الجوانب المتعلقه بشخصيه الفرد واتجاهاته . وبالمقابل هناك تعاريف موجبه و شامله لجميع مظاهر الصحه النفسيه والتي تؤكد في مجملها على أن الصحه النفسيه هي تلك الحاله النفسيه التي تتسم بالثبات النسبي ، والتي يكون فيها الفرد متمتعا بالتوافق الشخصي ، والاجتماعي ، والاتزان الانفعالي خاليا من التأزم ، والاضطراب مليئا بالحماس ، و أن يكون ايجابيا خلاقا مبدعا يشعر بالسعادة والرضا قادرا على تأكيد ذاته وتحقيق طموحاته ، واعيا بامكاناته الحقيقية قادرا على استخدامها في أمثل صوره ممكنه هذا الشخص من وجهه نظر الصحه النفسيه يتمتع بصحه نفسيه سليمه ، و قادر على التغلب على كافه الاحباطات والعوائق التي تواجهه في حياته .
ولقد استخدم علماء النفس اتجاهات عده في تعريفهم لمفهوم الصحه النفسيه استنادا إلى كل من نظريه دراسه الشخصيه الشامله ، والمنهج الوصفي فقد عرفها البعض على إنه تحقيق التوازن داخل جسم الانسان ، أو بين مطالبه ومطالب الجماعه ، وعرفه غيرهم بأنه تحقيق التوافق النفسي مع المجتمع ، و ذهب اخرون غلى أن الصحه النفسيه تتحقق من خلال حصول الفرد على الملذات والسرور والسعاده ، فيما حددها فريق آخر في حسن الخلق مع الله ومع الناس والنفس .
أولاً : الطريقه النظريه لدراسه الشخصيه الشامله من مفهوم الصحه النفسيه
١/ عرف ( هادفيلد 1950 ) الصحه النفسيه بأنها الاداء التام والمتسق للشخصيه فالصحه النفسيه هى حصيله عطاءات الشخصيه .
٢/ عرف (برنارد 1961) الصحه النفسيه بأنها تكيف مستمر اكثر مما هي حاله موقفيه معينه ، أي أن الصحه النفسيه للانسان في حاله تطور مستمر وتتناول كافه المراحل العمريه للانسان .
٣/ عرف (جودا 1959 )الصحه النفسيه للانسان بأنها صحه العقل التي تتضمن جميع الجوانب اللازمه للشخصيه المتكامله وهى تضاهى عنده صحه الجسم .
٤/ عرفه( انجلش 1958 ) الصحه النفسيه بأنها حاله من القدره على التحمل التي تجعل الفرد قادرا على التكيف الجيد ، و الاستمتاع بالحياه وإحراز تحقيق الذات ، فهي حاله إيجابية وليست مجرد غياب للمرض النفسي .
٥/ يؤكد( بوتر 1962 )على أن الفرد المتمتع بالصحه النفسيه لابد أن يكون فاعلا نشطا قادرا على تحقيق اهدافه مؤكدا ذاته لديه من الشجاعه ما يمكنه من توقع الصعاب ومواجهتها
٦/ يرى( ماسلو 1964) أن الصحه النفسيه ليست حاله من التلاؤم فقط ، ولكنها تلك النزعه التي تحثنا على البحث عن القيم والمبادئ أى أن يكون للفرد قدر من الاستقلال الذاتي الذي يحقق له التوافق مع ذاته .
٧/ ويضيف (ماسلو 1964 ) معنى آخر للصحه عندما يقول إن النفس السليمه ليست مجرد اداه للتلاؤم ، ولكنها تلك التي تظهر نزعه نحو التطلع للبحث عن القيم والمبادئ التي يمكن أن تعيش بها الاصحاء يظهرون استقلاليه ولا يتوقفون عند مجرد النجاحات النفسيه في الخارج ، أي التكيف مع البيئه ولكنهم يحققون التوافق الداخلي والصحه النفسيه .
ونلاحظ أن ماسلو قد جاء بإضافه جديده هامه حيت أشار إلى أن مفهوم الصحه النفسيه لا يتوقف عند تحقيق الملاءمه والتكيف مع البيئه ، بل تناول معنى جديد وهو تحقيق الفرد لقدر من الاستقلاليه الذاتيه التي تمكنه من تحقيق التوافق ، أو التكييف الداخلي مع الذات ، وهو يرى أنه في هذه الحاله تتحقق الصحه النفسيه الحقيقيه
٨/ ويسير في نفس هذا المنحنى (بلاتز 1957) عندما أشار إلى أن الصحه النفسيه هي وظيفه تسمى إلى تقبل مسئوليه في القرارات التي يتخذها الفرد ، كما يرى أن الذي يتحمل عواقب سلوكه هو الذين ينعم بتمام الصحه النفسيه .
٩/ وهناك تعريف توصل اليه مؤتمر البيت الابيض في تقريره النهائي المنعقد في عام 1930 يشير إلى أن الصحه النفسيه يمكن تحديدها بأنها تكيف الافراد مع انفسهم ومع الاخرين إلى اقصى درجات الفعاليه والرضا والسعاده وتحقيق السلوك الاجتماعي المقبول و القدره على مواجهه وقائع الحياه وقبولها .
وهذا التعريف قد تناول عده ابعاد حيث اشار إلى التكيف الشخصي والتكيف الاجتماعي كوظيفه اساسيه من وظائف الصحه النفسيه ، ولكنه ألح علي أن يحقق هذا التكيف الرضا والسعادة والكفاية بحيث يسلك الفرد سلوكا مقبولا من المجتمع الذي يعيش فيه كما يجعل الفرد قادرا على مواجهه الحياه بكل ما فيها من وقائع سواء أكانت سهله أم صعبه أم محزنه .
10/ وهكذا نجد أن نزعه جديده جعلت مفهوم الصحه النفسيه يتطور بحيث لم يعد يكتفي من الفرد أن يحقق التوافق مع البيئه والوصول إلى حاله من الرضا والسعاده بل أضاف بعدا جديدا وهو أن يكون الفرد فعالا يسعى إلى تأكيد ذاته ، و أن يكون لديه قدر من الاستقلاليه التي توفر له فرصه لتحقيق ذاته في ضوء القيم والمبادئ التي يؤمن بها .
وبوجه عام يمكن تلخيص ما سبق بأن: مفهوم الصحه النفسيه قد نما وتطور مع تقدم علم الصحه النفسيه فبعد أن كانت الصحه النفسيه تدل على معنى سلبي محدد وهو خلو الفرد من الاضطرابات النفسيه فقد تتطور إلى مفهوم إيجابي أكثر شمولا بحيث أصبح يرتبط بقدره الفرد على تحقيق التكيف مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه وهذا بدوره يؤدي إلى حياه خاليه من الازمات والمرض النفسي ثم ما لبث هذا المفهوم أن اتسع ليتخذ بعدا جديدا وهو أن يحافظ الفرد على قدر من الاستقلاليه بأن يعيش القيم والمثل العليا التي يؤمن بها إلى أن يحقق رسالته في الحياه .
تعليقات
إرسال تعليق