تقسيم الناس بالدنيا
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكُميل : احفظ ما أقول لك : الناس ثلاثه فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاه، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق .
فالعلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، العلم يزكو على العمل ، والمال تنقصه النفقه ، ومحبه العالم دين يدان بها ، العلم يكسب العالم الطاعه في حياته ، وجميل الاحدوثه بعد موته وصنيعه المال تزول بزواله ، مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون مابقي الدهر حيائهم أعيانهم مفقوده وأمثالهم في القلوب موجوده .
ولقد ميز في القرآن الكريم والسنه النبويه طالب العلم ترغيبا و حبا وشوقا إلى العلم و التحلي بأدابه .
شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكه وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ال عمران 18)
أهل العلم ثقات عدول :
هم الذين إستشهد الله بهم على أعظم مشهود وهو توحيده عز وجل ، وهذا هو العلم الحقيقي العلم بالله تعالى و أسمائه وصفاته ، وموجب ذلك و مقتضاه من الايمان برسله وكتبه والايمان بالغيب حتى كأنه مشاهد محسوس
فهذه المزيه الكبرى للعلم وأهله أنه يدل على صراط الله المستقيم والصفات العلا .
وهذا هو العلم وهذه هي ثمرته ، رزقنا الله وإياكم الشجره المثمره أنه جواد كريم ، وقد كتب الإمام البخاري بابا فقال : باب العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله و استغفر لذنبك (محمد19)
١/ سئل سفيان بن عيينه عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به ؟ فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك (محمد 19) - فأمر بالعمل بعد ا لعلم .
العلم مقدم على القول والعمل ، فلا عمل دون علم ، وأول ما ينبغي تعلمه التوحيد، وعلم السلوك والتربيه، فيعرف الله تعالى ويصحح عقيدته ويعرف نفسه وكيف يهذبها .
ولاحظ هذا الإرتباط بين العلم والتوحيد فاعلم أنه لا إله إلا الله وبين التربيه والتزكيه التي من ثمارها المراقبه ودوام التوبه واستغفر لذنبك.
٢/ العلم نور يبصر به المرء حقائق الأمور ، وليس البصر بصر العين ، ولكن بصر القلوب فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
ولذلك جعل الله الناس على قسمين إما عالم أو أعمى (أفمن يعلم إنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى( الرعد 19)
و عبر الله عز وجل بفعل( رأى) دلاله على العلم في قوله تعالى (ويرى الذين أوتو العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق وهو يهدي إلى صراط العزيز الحميد (سبأ 6)
فلم يقل (ويعلم) وهذا والله أعلم إشاره إلى العلم وأثره في القلوب التي صارت به -تبصر ،
- وترى الحق ،
- ولا يلتبس عليها الباطل
وهذا واضح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حذيفه بن اليمان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأى قلب شربها نكتت فيه نكته سوداء ، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكته بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنه ما دامت السماوات والارض والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلاما أشرب من هواه .
- قال أبو خالد فقلت لسعد يا أبا مالك ما أسود مرباد ؟
قال شده البياض في سواد
قال : قلت فما الكوز مجخيا ؟
قال : منكوسا
٣/ العلم يورث الخشيه : قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء أن الله عزيز غفور 128
ولقد مدح الله أهل العلم وأثني عليهم ، فجعل كتابه آيات بينات في صدورهم به تنشرح وتفرح وتسعد .
قال تعالى ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآيتنا إلا الظالمون العنكبوت 49)
٤/ وقد امرنا الله تعالى بالاستزاده من العلم وكفى بها من منقبه عظيمه للعلم
قال تعالى( وقل ربي زدني علما طه ١١٤)
قال القرطبي رحمه الله فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله به سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم .
العالم هو الوارث عن الأنبياء هذا العلم الذي أُمر الناس بسؤالهم عند عدم العلم قال الله تعالى (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون النحل 43)
٥/ اخبر الله عن رفعه درجه أهل العلم والايمان خاصه
قال تعالى( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات المجادله 11)
٦/ والعلم أفضل من الجهاد إذ من الجهاد جهاد بالحجه والبيان و هذا جهاد الائمه من ورثه الأنبياء ، وهو أعظم منفعه من الجهاد باليد واللسان لشده مؤنته وكثره العدو فيه
قال تعالى ( ولو شئنا لبعثنا في كل قريه نذيرا( ٥١) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا 52 الفرقان )
عن أبي هريره رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو في منزله المجاهد في سبيل الله ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزله الرجل ينظر إلى متاع غيره _ أخرجه ابن ماجه وصححه الالباني
٧/ و لم يجعل الله التحاسد إلا في أمرين بذل المال و بذل العلم
وهذا لشرف الصنيعين وحث الناس على التنافس في وجوه الخير
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في أثنتين رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق و رجل أتاه الله الحكمه فهو يقضي بها ويعلمها
اخرجه الترمذي وصححه الالبانى
٨/ لا ينقطع علم العالم بموته بخلاف غيره ممكن يعيش ويموت و كأنه من سقط المتاع أما أهل العلم الربانيين الذين ينتفع بعلمهم فهؤلاء يضاعف لهم في الجزاء والأجر شريطه الاخلاص .
إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاثه إلا من صدقه جاريه أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
٩ / كل ما في الدنيا هالك و إلى زوال تتنزل عليه اللعنات والمرحوم من ذلك صنفان من الناس أهل العلم وطلبته ، و العابدون الذاكرون الله كثيرا .
عن أبي هريره رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا إن الدنيا ملعونه ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلما .
أخرجه الترمذي وصححه الالباني
وبالعلم يعظم أجر المؤمن ويصحح نيته فيحسن عمله وإذا كان الناس لا يشغفون بالمال عن العلم ، فإن فضل العلم على المال أعظم وقد فصل لنا الشرع في هذه القضية ،
فقد أقسم رسول الله على أصناف أربعه جعل الناجحين منهم صنفين وهما من تلبس بالعلم
فعن أبى كبشه الانمارى رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاثة اقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه
قال ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ، أو كلمة نحوها وأحدثكم حديثاً فاحفظوه قال : إنما الدنيا لأربع نفر
- عبد رزقه الله مال وعلما فهو يتقى فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا أفضل المنازل .
- وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النيه يقول لو أن لى مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء .
- وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل .
- وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لى مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء .
أخرجه الترمذي وصححه الألباني .
تعليقات
إرسال تعليق