كيف يطوّر الدماغ نفسه؟
ما الدعامة الأساسية التي بني عليها العقل على مَرّ أجيال لا متناهية؟
كيف تؤثر بنية الدماغ في قراراتنا اليومية وصحة علاقاتنا وسعينا للسعادة، أو قدرتنا على التعافي من خسارات الحياة الحتمية؟ كيف نستخدم أدمغتنا في تحقيق أسمى .
توجد طريقة واحدة لفهم التعقيدات الهائلة للدماغ البشري، تتمثل في تصويره على صورة طبقات وتراكيب تكوّنت على مدار مئات ملايين السنين من التطوّر، ويمكننا تمييز (4) مستويات لهذا النمو، وهي تعكس المراحل المهمة في عملية التطوّر:
• الدماغ الفطري.
• الدماغ العاطفي. •
الدماغ التكيّفي.
• الدماغ الاجتماعي المتعاطفي
1/ الدماغ الفطري :( الاغوانا الداخلية )
كور قبضة يدك، وتذكر أن هذه القبضة تُمثل أقدم المراحل الأربع لتطوّر الدماغ وأصغرها، فيما يُعرف بالدماغ الزاحف reptilian brain، وهي تعرف أيضا بالدماغ الفطري: لأن الفطرة تسيطر علينا، ولأنها تُعَدُّ أنقى غرائز الإنسان وأكثرها أساسية. ينظم الدماغ الفطري وظائف الحياة الأساسية، مثل:
التنفس،
ونبضات القلب،
وإراحة العضلات،
ومعدل الأيض،
ومستويات الإثارة (درجة التنبه والنشاط)، والقدرة على إدراك المحفزات والاستجابة لها سريعا،
واتخاذ القرار بتجاهل المحفز أو الردّ عليه بصورة تلقائية سريعة.
تتميز هذه المرحلة بخلوها من المشاعر والعواطف المتخبطة والأفكار الواعية، ولا وجود فيها للمونولوج الداخلي حول ما يجب علينا فعله إزاء المواقف التي نواجهها في حياتنا اليومية، والتي تتطلب منا قرارات متعددة.
2/ الدماغ العاطفي :
نسج الذاكرة والمشاعر معا تعرف هذه المرحلة بالدماغ الحوفي inbic brainل فضلا عن الدماغ العاطفي، وهي تمثل قفزة كبيرة نحو الأمام. لنتصوّر الأمر على النحو الآتي: أحط إحدى الكفين بقبضة يدك الأخرى المغلقة، واعلم أن طبقة الدماغ الجديدة تحوي الأجزاء القديمة كلها (قبضة يدك المغلقة)، وكذا التطوّر الجديد الطارئ (الكف التي أحاطت بالقبضة)، مما يسمح لنا المرور بالتجارب العاطفية والتعليمية. تتيح حالات المشاعر المختلفة لهذا الدماغ سلوكا أكثر تعقيدًا من سابقه، إذ إنه يتضمّن رعاية صغارنا وتربيتهم ، والتواصل مع الآخرين ضمن مجموعات اجتماعية، والمشاركة في اللعب
يتبين مما سبق أنه لا غنى عن هذه البنية الجديدة للدماغ، فهي أنشط
علما بأنه توجد " تسمية أخرى للتجربة العاطفية تُعرف بالتأثر، وهي تشير إلى حالة المشاعر الخالية من الصفات الإدراكية، حيث تعكس الأخيرة التجربة لتولد لدينا عاطفة ما.
تشتمل العواطف على الأحاسيس أيضا، لكنهما لا يمثلان الشيء نفسه، فمثلا يصنف الألم الذي ينتابنا حين نخطو فوق قطعة زجاجية في أثناء تنزهنا على الشاطئ بأنه إحساس فلا وجود لأي عواطف أو أحكام، وكل ما في الأمر هو تحسّس أعصاب القدم لوخزة الزجاج للجلد، فتعمل على نقل هذه الإشارة إلى الحبل الشوكي، فمركز الاستلام في الدماغ الزاحف: أي الدماغ الفطري . عندئذ، يفسح الإحساس بالألم مباشرة الطريق لعاطفة الخوف، فتحجب حالة الخوف هذه كل ما عداها من مشاعر، وتتحوّل الأولوية إلى الشعور بالألم / الخوف
3/الدماغ التكيفي)،
وهي المرحلة التي جلبت معها قشرة الدماغ الحديثة، وساعدتنا على أن نكون أنفسنا فحسب. الدماغ التكيفي : الدقة المتنامية أدّى التطوّر إلى ربط الحواس الخمس (الشم، التذوق، اللمس، السمع، الرؤية) بالردود التلقائية التي مصدرها الدماغ الفطري، فأصبح لدينا نظام مكوّن من حالات الشعور الرئيسة التي تساعدنا على تحديد أفضل الردود لأي حالة تصادفنا. وللحقيقة، فقد كان هذا المستوى الجديد من تطوّر الدماغ مدهشا: إذا امتلكنا في هذه المرحلة القدرة على اتخاذ القرارات وتغيير مسار أفعالنا نتيجة للعواطف المعقدة، فيما يُعرف بمرونة الاستجابة، وهو أمر يُعَدُّ علامة فارقة تميز الدماغ التكيّفي. يعتقد الكثير من الباحثين أن الحياة تطوّرت عن طريق تحوّلها التدريجي الذي جعلها أكثر تعقيدًا. فدماغ الإنسان – مثلا- هو أكثر تعقيدًا من دماغ ذبابة الفاكهة، بيد أن تعقيده ليس السمة الأساسية التي تميزه من سائر الكائنات الأخرى، فما يجعلنا كائنات فريدة جدًا هو مقدرتنا العظيمة على التكيّف مع البيئات والحالات المختلفة، وتظهر هذه المرونة التكيفية في المرحلة الثالثة من مراحل تطور الدماغ، ويُعَدُّ ذلك أهم ميزة تميزنا
تُعرف طبقة الدماغ الثالثة باسم قشرة الثدييات الحديثة neomammalian complex، وهي تحوي القشرة الحديثة، وتقع أعلى الطبقتين السابقتين لتطوّر الدماغ وحولهما. يعزى أصل كلمة القشرة cortex إلى الكلمة اللاتينية المقابلة لكلمة (لحاء)، وهي وصف جيد مناسب لتصوير طبقة الدماغ الخارجية. ولمعرفة مكانها، فلنتخيل قبضة يدنا المضمومة التي تعلوها يدنا الأخرى المحيطة بها، ثم لنجعل كلتا اليدين تنزلقان بحيث تشكلان قفازا مبطنا يُمثل قشرة الدماغ، وهي طبقة سميكة (7 سم تقريبا) من نسيج الدماغ ذي الكثافة العالية للخلايا العصبية التي تلتف على نفسها كلما كبرت، وإلا فإن جمجمتنا تنمو لتصبح أكبر وأضخم، فيعجز العنق والكتفين على رفع الرأس عندئذ . إذا افترضنا أن هذه الخلايا موضوعة أفقيًا على منضدة فإن منطقة قشرة الدماغ ستغطي صفحتين كبيرتين من حجم صفحات الصحيفة اليومية،
4/ الدماغ الاجتماعي المتعاطف:( شبكة الدماغ أمام الفص الجبهي)
نتعلم كيفية استعمال منطقة الدماغ الرابعة، وهي القشرة الأمامية الجبهية (he prefrontal cortex (PFCأ المسؤولة عن الوظائف الخمس الرئيسة الآتية التي تمثل أساس الدماغ الاجتماعي المتعاطف:
• الإحساس بما يجري في اللحظة الراهنة.
• ملاحظة استجابتنا العاطفية لما يجري.
• تفعيل المكابح العقلية لمنعنا من التصرف باندفاع.
• الإفادة من ذكريات الماضي في الاستجابة بأفضل ردّ ممكن.
• صياغة خطط ملائمة، ووضعها حيز التطبيق.
إذن نتعلم كيف ندير انتباهنا ونحسن الإفادة منه عن طريق التأمل أولا، ثم الاعتماد على الوظائف الخمس الرئيسة
للقشرة الأمامية الجبهية مما يجعل الإنسان أكثر تناغمًا مع أفكاره ومشاعره ( تقتصر الممارسة على تمارين الوعي الذاتي )، وبذلك تستطيع أن تخطو خطوة ثالثة مهمة بأن تصبح عاطفيًا وحسّاسا أكثر من ذي قبل، وذلك بتغذية نفسك بالعواطف الإيجابية عن طريق تعزيز العلاقات الاجتماعية
. لا شك أننا نتوق بفطرتنا البشرية إلى التعاطف، وبناء العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، لكن الشيخوخة تبعث فينا إحساسا بالغربة والعزلة، وهما خصيصتان بارزتان من خصائص تقدَّم السن بنا، مع فقدنا الأصدقاء بموت أو مرض. أمّا الدواء الناجع للقضاء على العزلة والوحدة فهو زيادة الانتباه، ومضاعفة قدرتنا على تحمّل الضيق، وشحن الحالات العاطفية الإيجابية
تعليقات
إرسال تعليق