لك أن تتخيل عزيزي القارئ، أن هذا الجسم الذي بين يديك لم يكن وليد المصادفة، ولا نتاج فكرة عابرة أثمرت هذا العمل الجليل والنتاج القيم. لقد مر هذا المنتج بقصة طويلة موغلة في القدم، متجذرة في عمق التاريخ يقدر عمق الحضارة الإنسانية نفسها، فقد مر بكثير من التغيرات. واتخذ أشكالا شتى بحسب ثقافات الشعوب وحضاراتها حول العالم قديمًا كان ذلك أوحديثا. وقد بذلت الجهود المضنية والتجارب الكثيرة، وأنفقت الأموال الطائلة من أجل تطويره وتطويعه لخدمة الإنسان بأفضل قالب فني ماتع، حتى استحال إلى هذا الشكل الذي نتناوله، ويدعى الكتاب، إن لهذا الكتاب الذي عُدّ منذ القدم وسيطا للمعلومات ووعاءً للمعرفة رحلة طويلة تبدأ من جدران الكهوف، ولحاء الأشجار، وأوراق الشجر، وعظام الحيوانات، وألواح الطين، ولفافات البردي، وطيات الرق، وغيرها من أوعية المعلومات التي ابتكرها الإنسان القديم لأغراض شتى، كتسجيل المعارف وظواهر الطبيعة التي مرت به، وللتعبير عما في نفسه، وللتواصل مع غيره، وكان ذلك عن طريق صور ورموز بسيطة تتوافق مع الحياة والظروف التي كان يعيشها. وقد استخدم لتدوين هذه الرسوم والرموز أدوات شتى بحسب الوسيط الكتابي الذي يدون عليه، ومن ذلك الإزميل، والوتد، والأقلام بشتى أنواعها من أقلام معدنية للحفر، أو بوص يكتب بالحبر. كذلك استخدمت الرموز والرسوم في التعبير عن الثقافة أولا، ثم تطورت لوحدات لفظية تكتب متراصة خلف بعضها دون فراغات بينها، ثم إلى حروف هجائية، ثم تطورت للتنقيط ووضع الفواصل وعلامات الترقيم. وكانت طريقة القراءة تختلف بين الكتابات حول العالم بحسب الزمان والمكان. ففي بعض الكتابات كانت تقرأ من اليمين لليسار، كالعربية والعبرية، وبعضها يقرأ من الأعلى للأسفل، مثل الصينية واليابانية، وبعضها كانت تقرأ بصفين مزدوجين عموديا، مثل كتابة المايا، وبعضها كان الاتجاه يتبدل، ويتعاكسس مثل الكتابة اليونانية القديمة. وكصورة فنية للكتاب عُدّ التجليد والغلاف الخارجي للكتاب مهمًا في فترات متقدمة، إذ لم يكن موجودًا في الحضارات القديمة إلا بأعداد قليلة وبشكل مبسط، وقد أخذ شكل الرق والخشب بداية، ثم تطور إلى أغلفة الجلد والذهب والنحاس والعاج المزخرفة والمرصعة بأثمن الجواهر، ثم مع اختراع الطباعة وصل إلى شكله التقليدي المتعارف عليه الآن.
أما بالنسبة إلى التراث الفكري الذي كانت تحمله هذه الكتب فهو يختلف باختلاف الحاجة التى من أجلها دونت، مثل الكتابات الدينية والأعمال التجارية، والقانونية، والحكومية، والعلمية، والأخلاقية، وما إلى ذلك.
يكون للكتاب مقومات ثلاث:
1 – الرمز لتسجيل المعلومة (اللغة).
٢– ومواد الكتابة (أوعية المعلومات).
٣– والتراث الفكري (المعلومات).
اللغة والكتابة والكتاب :
من مقومات أي حضارة قائمة الفن واللغة التي يمزج الإنسان بينها، فيحصل على ما يعبر عنها من خلال الرموز والرسوم، وهذا بلا شك يدل على أن تاريخ الكتابة أقدم بكثير من تاريخ الكتاب، ويتضح هذا جليا في الآثار القديمة التي وجدها العلماء في أثناء عمليات الحفر والتنقيب عن الآثار التي تمتد إلى حقبة تزيد على خمسة آلاف سنة . فاللغة تظهر أولا، ثم يعبر عنها بالكتابة، وهذا ما أكده الباحث محمد ماهر، حين عرف اللغة، فذكر أنها اتصال عن طريق الرموز،
ويقصد بالرموز الأصوات والإشارات والتعبيرات والرسوم والكتابة، وعُرّفت بأنها وسيلة الاتصال بين الجنس البشري تأخذ شكل الأصوات المنتظمة. أما الكتابة فهي التدوين المرئي للغة، وتستند في ذلك على المعيار الصوتي، وقد ابتدعها الإنسان في محاولة منه لوضع الرموز التي تعبر عن جميع الأصوات التي يصدرها عندما يتكلم لغة دون غيرها، لذا نجد أن لكل لغة أبجدية خاصة بها، تجسد عن طريق التدوين المنظور والمفاهيم المرتبطة بالأصوات التي يصدرها المتحدثون بهذه اللغة. ويقوم العلماء بتقسيم الكتابة إلى ثلاثة أنواع رئيسة، تمثل كل منها حقبة زمنية ومرحلة تطورية في تاريخ الكتابة منذ نشأتها في المجتمعات الإنسانية:
الكتابة بالصور ( الكتابة التصويرية) PICTOGRAPHIC وهو مصطلح مركب من لفظين يعني صورة أورسم مرسوم الكتابة الرمزية : وهو ايضا مصطلح مركب من لفظين بمعنى فكرة اورمز مرسوم أو منقوش كذلك.
الكتابة الصوتية PHONO GRAPIC وهو كذلك مصطلح مكون من لفظين بمعنى رسم صوتي، ويعني رسم الكلمات وفقا للفظها» ''. هذا فيما يتعلق باللغة والكتابة. فماذا عن الوعاء الذي يحويهما ( الكتاب ) ؟
يمكن تقسيم الألفاظ التي استخدمت للتعبير عن مصطلح كتاب إلى ثلاث مجموعات: مصنفة بناء على المفاهيم العامة التي تربط بين مفردات كل مجموعة: 1 – المفهوم الاجتماعي الديني:
كتاب الله المنزل، القرآن، التوراة، الإنجيل، الفرض، الحكم، الأجل.
٢ – المفهوم الاجتماعي لظاهرة الاتصال: صحف، صحيفة، ما يكتبه الشخص ويرسله، ما يراد إبلاغه للغير، رسالة، مكتوب، ما يراد حفظه من النسيان.
٣– المفهوم المادي كوسيط للكتابة:
ما يكتب فيه، خط على القرطاس، الدواة»". وقد وردت تعريفات عدة للكتاب لعل أشملها تعريف ويكيبيديا للكتب بأنها: أوعية المعلومات غير الدورية التي بطبيعة محتوياتها وتنظيمها
ومن الجدير بالذكر أن كلمة كتاب والكتاب قد وردت في القرآن الكريم دالة على معان عدة، ومن ذلك: الكتاب بمعنى القرآن، الكتاب بمعنى التوراة،
الكتاب بمعنى اللوح المحفوظ. وأخيرًا الحضارة الحديثة منذ القرن الثاني عشر حتى العشرين لتوضيح دور الحضارات القديمة في نشأة الكتاب، حتى وصل إلى الكتاب الورقي المتداول الآن.
تعليقات
إرسال تعليق