إنها لذاكرة فقيرة حقا، تلك التي لا تعمل إلا في الاتجاه المعاكس.. لم اعد قادرا على تذكر اي شيء!». «لقد أصبحت ذاكرتى سيئة جدًا من. إن وجدت نفسك تردد أشياء كهذه، فربما تكون قد استسلمت لأسطورة متلازمة تقدَّم السن التي يصاحبها فقدان الذاكرة، فعندما يُصَدّق الناس هذه الأسطورة، ربما كفّوا حتى عن محاولة التذكّر، فإننا على الأحوال كلها، ندرك جيدًا –كما أثبتت الدراسات – أنه بالإمكان تحسين الذاكرة من خلال التدريب والتمرين.
يساعد فهم آلية عمل الذاكرة كثيرًا على عملية تحسينها، ومع أننا لم نستطع حتى اليوم فهم آلية عمل المخ، كما هو الحال فيما يتعلق بالقلب والدورة الدموية، فإن خبراء الذاكرة قد ابتكروا وسيلة تمكننا من تخيّل الطريقة التي تتم بها عملية التذكر، وغالبا ما يصفون اكتمال تلك العملية من خلال مكونات الذاكرة الثلاثة:
1/ المدخلات الحسيّة:
تمثل أول مكونات آلية عمل الذاكرة، ويقصد بها الإيجاز الذي يقدمه المخ عمّا نراه ونسمعه، ونلمسه، ونشمّه أو نتذوقه، فنحن محاطون دائمًا بمشاهد وأصوات، وننسى في الحال كثيرًا مما نراه ونسمعه، من دون حاجة إلى تسجيله؛ إذ يكفي فقط انتباهنا لتعبير حسي ما: مشهد، أو صوت، أو لمس، أو شم، أو تذوق، لكي يدلف إلى العنصر الثاني من مكونات الذاكرة الذي يعرف بـ ( الذاكرة العاملة).
2/ الذاكرة العاملة :
يمكن تشبيهها بالتفكير الإدراكي، ويعني ذلك القدر الصغير من مادة ما، الذي يمكن حفظه في المخ في أي لحظة محددة، ويجمع معظم الخبراء على أن سعة الذاكرة العاملة لا تتجاوز ستة إلى سبعة عناصر حدًا أقصى، يتم التخلص منها خلال خمس إلى عشر ثوان، ما لم يتم تكرارها باستمرار أو تخزينها في الذاكرة طويلة المدى. ويُعَدّ رقم الهاتف مثالا للمعلومة التي تحفظ في الذاكرة العاملة، والتي عادة تنسى قبل تخزينها، فلنفترض مثلا أنك نظرت إلى رقم هاتف ما، أو أجريت اتصالا، لكنك لم تتمكن من الحديث إلى الشخص المعني، فربما تكتشف أنك نسيت الرقم الذي اتصلت به بمجرد إغلاقك سماعة هاتفك... ويعد هذا نموذجا جيدًا للالية
التي تختفي بها المعلومة من الذاكرة العاملة بعد برهة وجيزة. ثمّة نموذج آخر، سمعت عن حالة مرتبطة بالتغذية، تفيد بوجود أحد عشر جرامًا من الدهون في كل ملعقة طعام واحدة من الزبدة، فاندهشت لارتفاع هذا الرقم مقارنة بكمية الزبدة، ثم لم تعد – فيما بعد لسبب ما - قادرًا على تذكر هذا الرقم أو حتى تعرّفه وليست المعلومات كلها التي تُسجّل في الذاكرة العاملة، تحفظ في المقابل في الذاكرة الطويلة الأمد».
3/ الذاكرة الطويلة الأمد:
تُعَدّ بمنزلة بنك الذاكرة، وهي أكبر مكونات نظام الذاكرة، ويمكن القول، إن سعة تخزينها غير محدودة، ويشيع بين الناس مفهوم غير صحيح، مفاده بأن الذاكرة الطويلة الأمد، تعني تلك الأحداث التي حدثت منذ وقت طويل. وفي الحقيقة، مع أن الذاكرة الطويلة الأمد تحتفظ بالمعلومات التي قد تكون وصلتها حديثا قبل بضع دقائق فقط، أو قديمًا قبل عقود عدة، فإنها في الوقت نفسه، قد تحتفظ بقائمة طويلة من المعلومات : ( المتباينة، تشمل
أ / اسمك.
ب/ الأحداث التي حدثت قبل ساعة واحدة.
ج / المكان الذي احتفلت فيه بالعيد.
د/ المعلومات الضرورية لقيادة السيارة.
هـ./ رائحة الكعك الذي خبز للتو.
و / هيئة معلم مادة الرياضيات في مدرستك الثانوية.
ز/ جداول الضرب.
ح،/ أغنية ما، من ثمانينيات القرن الماضي. وعليه، يمكن القول إن الذاكرة الطويلة الأمد، تعني المعلومات كلها التي لم تعد موجودة في منطقة التفكير الواعي، وخزنت لكي يمكن استعادتها فيما بعد. نعرض فيما يأتي نموذجين لكيفية آلية عمل الذاكرة في أثناء الحياة اليومية.
امثلة :
هب أنك تشتري مستلزماتك الأسبوعية من بقالة محلية في الحي الذي تقطنه، وكانت في الأرفف أصناف عديدة من البضائع، تشكل انطباعات حسية في ذهنك، إذ تسحر عيونك ألوان التغليف الخلابة، وتستنشق عبق المعجنات التي تخبز، وتسمع كثيرا من الأصوات المختلطة حولك، ومع هذا، قد تسجل تلك الانطباعات الحسية في منطقة الإدراك لديك،وقد لا يتم ذلك
ثم تتوقف عند قسم المنتجات الزراعية لتفكر مليا في نوع الفاكهة التي تشتريها لتستخدمها في تجهيز سلطة الفواكه، فيزيغ بصرك في اتجاه الببايا"، تلك الفاكهة التي لم يحدث لك أن تناولتها مطلقا، فلاحظت أنها مكلفة كثيرا، فإن تجاوزتها، فقد تنسى عندئذ تفاصيلها كلها، ولن تعود قادرا على تذكر شيء منها. وصحيح... دخل انطباعك تجاه الببايا في الذاكرة العاملة (منطقة الإدراك)، لكن ليس بالضرورة أن يكون قد خزن في الذاكرة الطويلة الأمد، فإن أوليات الببايا مزيدا من الاهتمام فتأملت هيئتها، ولونها، وملمسها، واستنشقت أريجها، وتحسست مدى نضجها، ثم حلق بك الخيال بعيد التفكر في طعمها وطريقة إعدادها، إن حدث ذلك، فربما تحول صورة تلك الفاكهة والمعلومات المتعلقة بها إلى الذاكرة الطويلة الأمد. وعليه، تكون هذه المعلومة متاحة، لكي تتم استعادتها في المستقبل، عندما تقرأ وصفة مثلا تشكل الببايا أحد مكوناتها.
كيفية عمل الذاكرة العاملة:
انسياب المعلومات عن طريق مكونات الذاكرة الثلاثة:
المدخلات الحسية (الانطباعات الحسيّة) لم يتم الانتباه إليها كما ينبغي، ولهذا نسيت.
هب أنك توجه دعوة لحضور حفل تقيمه لابنة أخيك قبيل زفافها الذي يقام عادة لتلقي الهدايا، ولديك مجموعة من الأسماء ولكنك لا تعرف عناوين منازل الأشخاص الذين تودّ دعوتهم، فتحتم عليك النظر إلى العناوين، ومن ثم نقل الأسماء والعناوين إلى الظروف التي بها رقاع الدعوة، وفي أثناء حملك مفكرة دليل أرقام الهواتف الخاصة بك، تعرفت حواسك على الشعور بالمفكرة، والأسماء الموجودة في صفحة معينة، وصوت قلب الصفحات واحدة تلو الأخرى (أو قل الإحساس بالصفحات في يدك)، فقد يتم تسجيل هذه الانطباعات الحسية في الذاكرة العاملة وقد لا يتم.
أن المعلومات الجديدة تنساب دائمًا من الذاكرة الحسيّة إلى الذاكرة العاملة، ولكن تلك المعلومات في الذاكرة الطويلة الأمد، تسترجع من دون أن تُسجّل مسبقا في الجانب الإدراكي، كما قد يحدث أيضا في بعض الحالات أن تتذكر أشياء دون أن تكون متأكدا من دخولها إلى وعيك، فمثلا قد لا تكون مدركا كل أولئك الأفراد الجالسين معك في غرفة الانتظار لمقابلة الطبيب، لكن عندما يدخل رجل فجأة ويسألك إذا ما كنت قد رأيت امرأة على كرسي متحرك، ستتذكر أن الممرضة اصطحبت امرأة إلى داخل غرفة الكشف.
تعليقات
إرسال تعليق