وسط الزحام رأيتها لفت نظرى وجهها المهموم ، ونظراتها التائه ،من عيون حائره ، تكتم الدمعه ، تُمسك بيدها طفل تقريباً في عمر السادسه ، لا يبدو عليه الراحه والسعاده .
وقَفت لحظات ،ثم إندفعت مُسرعه نحو ميكروباص ، ومن فضولى فرحت لأنى سأركب نفس الميكروباص ، لكن سرعان ماحَولت مسارها وإبتعدت عن السياره ، سارت في إتجاه آخر ، وأسْرعت في خطواتها ، وبالطبع هذا كان مرهق لطفلها في يدها ، فهو مازال صغير وكأن حال لسانه يقول كفى... كفى
من شده فضولى ، تركت أنا أيضا الميكروباص وأخذت انظر أمرها ، قلت في نفسي سأقترب منها لعلها تريد مساعده ، خاصاً الدمعه بدأت تزرف من عينيها
ولِما لا ، وأنا إمرأة مثلها ، وأحس بها ، ثم إننى درست كثير عن المشكلات الأسرية وعلاجها
ربما خلاف بينها وبين زوجها أو أهلها أو أحد صديقاتها أو أحد جيرانها أو ....أو
لا لن أطيل الظن ، سأقترب وأتحدث معها
السلام عليكم
عليكم السلام
ماذا تريدى ؟
انا أريد مساعدتك ... اراكى حائره
شكراً لكى لا أريد شئ
وهنا سحبت الطفل بعنف وسرعه فوقع على الأرض وبكى
أمسكتُ أنا به ، وساعدته فى القيام ، ونظفت ملابسه مما ألتصق به من أتربه الشارع .
فكانت يدها تسبق يدى ، وصوتها علا وقالت لى من انت ؟!
أنا أعرفك انت تبعهم !!
تبعهم!!!!!
لا لا
أنا لا اتبع أحد ، واقسمت لها انا ليست تبع لاحد ، لكنى اريد اساعدك ، فأنا مررت بمشاكل كثيره ، وأشعر بألم المرأة ، فهى من جنسى ، وبالطبع كان هناك من كان ينظر إلينا من الماره بالطريق خصوصا عندما علا صوتها
فصمت قليلا وقلت لنفسي ما الذي أفعله ؟!؟!
حقا أنا متطفله .... يجب أن أبتعد وأُمارس مهنتى مع من يطلبنى ...
لكنها تتألم ، وتبكى ... وأريد مساعدتها
لا لا ..
سِيرى فى طريقك ولا تساعدى إلا من يطلب منك المساعده كى لا تكونى متطفله
حسنا.. هذا قرارى
اعتذر منك ... السلام عليكم
بعد برهه ... انتظرى
نظرت خلفى رأيتها تقول انتظرى من فضلك
طبعا داخلى كان يكتظ بالسعاده
قلت لها تحت أمرك ، وهنا كنا نمر على الحديقه المجاوره لمركبات الميكروباص ، فقلت لها لنستريح برهه فى هذه الحديقة ، فهناك كراسى فارغه ، وبالفعل جلسنا سويا ، وأنا لا أصدق نفسى
فأنا صدقونى ليست فضوليه ، و لكن حقا أتأثر بمن مهموم حولى
يعض قلبى دموع أمراه أوبكاء طفل
بدأت تبكى بحرقه وطفلها ينظر إليها
قلت لها ابكى ...
البكاء يفرغ ما في النفس....
البكاء في حد ذاته علاج ولو مؤقت .....
أدركت أن مشكلتها هذه مشكله ازواج أكيد تعيش حياه مرهقه مع الزوج خصوصا عندما ابنها ذكر كلمه بابا ردت بعنف بس... اسكت
هدأت قليلا فقلت لها لا تقلقى كل مشكله لها حل .
عرفتها بنفسى كى تطمأن أكثر
فقالت تزوجت من زوجى أبو اولادى وكنا نعيش حياه هادئه سعيده إلى أن ظهرت هى فى حياتنا قريبه لى من بعيد طالبه جامعيه وحيده والديها توفيا فى حادث.... كنت قد حدثتها هاتفياً عده مرات لأخفف عنها أحزانها ووحدتها فكم هى خجوله وحزينه غايه في الادب والأخلاق تقيم لدى عمها غير الشقيق لوالدها دعوتها هذا الصيف لزيارتنا لتروج عن نفسها تغيير جو كما يقولون وبالفعل لبت دعوتنا وجاءت الينا.... كم هى نسمه رقيقه..... ملحوظ محافظتها على دينها
احبها اطفالى الثلاثه فكانوا لا يتركونها الا عند النوم ، وكان زوجى مرحب بها جدآ ، و يوصينى بإكرامها .
لكن لفت نظرى شئ منذ قدومها تعانى كُحه ضعيفه ملازمه لها ، وعندما سألتها قالت إنها عالقه بها منذ شهر تقريبا بعد نزله برد لكنها بدون ألم ، وليست شديده ، وتناولت العلاج ، لكن الطبيب أفاد بأنها ممكن تطول بعض الوقت ، ولا قلق منها وفى يوم كنا نتنزه جمعينا بالملاهى فبدأ عليها التعب ، وشئ من الاختناق ، فكنت أنا مرعوبه جدا ... ماذا حدث لها .؟!
المهم رجعنا البيت وأنا أراقب حالتها ، وإذ بها تبكى وتشتكى من ألم بالحنجره ، فقلت لزوجى لابد من إبلاغ عمها بذلك ، وغدا نعرضها على طبيب متخصص
وبالفعل حصل وطلب الطبيب المعالج عده تحاليل وأشعه ... كانت نظره الطبيب غير مطمئنه ، انتظرنا النتيجه وكلنا أمل وألم ظهوت النتائج.....للاسف مصابه بمرض نادر نسبه حدوثه تقريباً اتنين في المليون وعلاجه مكلف وياحبذا لو تسافر للعلاج وإجراء عمليه جراحيه في الخارج ...
يا إلهى ... اللهم الشفاء لكل مريض
لابد من عرضها على طبيب ثانى وثالث كى نتأكد ونطمئن ، ولكن الكل كان تشخيصه واحد .
ونحن ننتظر رد العم ....لكنه غير مبالى ...
إذن ماذا ...ما العمل ... إن علاجها مكلف تحدثنا مع عمها أنه هو الأولى في الإنفاق عليها ..كانت الفتاة تبكى قالت أنا أعرف عمى أنه بخيل جدا ، لا تتعبوا أنفسكم ...
تمر الأيام والفتاه تتدهور حالتها النفسية ، والصحيه من المرض ، ومن صدمتها فى عمها ..
راتب زوجى يكاد يسترنا ...
والأيام تسير ثقيله ، كيف نتركها تعود لمحافظتها وهى فى هذه الحاله .
كرر زوجى الحديث مع عمها بلهجه شديده فكان يتهرب من المسؤولية ويعطينا القليل جداً من المال ، والمسكينه تتدهور يوم بعد يوم بل ساعه بعد ساعه
كنت أغلق الأبواب جيداً بالليل لأنها تريد الرحيل ، وتقول كفى ماذنبكم فى كل هذا الإنفاق .
وذات صباح نهض زوجى من نومه مسرعاً كأن فاته موعد ، وقال لى سيأتى الفرج إن شاء الله اليوم !!
إن شاء الله ولكن كيف ؟!!
خرج زوجى ، ورجع معه مائه الف جنيه!!! وقال بنا نذهب ون……ُنجرى لها العمليه ،
من اين لك هذا؟!؟!
قال صديقى لديه خبر عما يحدث عندنا ، وعرضت عليه إستدانه مبلغ من المال منه ، فهو ميسور الحال ، محب كثيراً لفعل الخير،
فلم يمانع والحمدلله ، النقود بين أيدينا فهيا أسرعى بنا للمستشفى
سلمت علينا كلنا بحراره ، وعينها مليئة بالدموع.
دخلت الفتاه الرقيقه غرفه العمليات
وبالطبع أخبرنا عمها فكان متبلد المشاعر ...لا يهمنا ..المهم وجدنا المال وبإذن الله ، ننقذها من هذا المرض الغريب ،
... طال الإنتظار خارج الغرفة .
بعدها خرج الطبيب ليصدمنا بخبر وفاتها ،
صرخنا وبكينا بحرقه لكن أمر الله لا إعتراض عليه.
مرت الأيام والشهور ، وكأنها معنا في المنزل ، لا يفارقنا شكلها ، ولا صوتها ، إلى أن جاء زوجى فى يوم من الأيام سعيد مبسوط ، وقال إن صديقه تنازل عن نصف المبلغ ، ويرد نصف المبلغ الباقى على مهل ، نظرا لظروفنا الماديه ،
ويا للهول ، بعد أسبوع واحد فقط توفى هذا الصديق رحمه الله عليه ، فقلنا على وعدنا سنرد المبلغ لأبنائه ، ولم يمر إلا شهر واحد ووجدنا إبنه يطالبنا بالمبلغ ، وإلا سيتقدم للقضاء ، وهنا كانت الحيره والقلق ، ماذا نفعل ؟؟؟!!!
حاولنا نتفادا الوصول إلى المحكمه فهو شاب متهور يقضى وقته في التسكع ، لا يبالي أى مسئوليه ، عكس والده تماما ، حقا يخرج من ظهر العالم فاسد ...
وجدنا أنفسنا أمام قضيه لا مخرج منها سوى إيجاد المبلغ ، وكيف لنا ذلك .... وجدنا حكم سنتين لزوجى ، وها نحن بلا عائل ، ولا أدرى من أين يأكل اولادى ؟!
أسير فى الشارع ، لا أعرف أين أنا ذاهبه ، ولا من أين آتيه !؟!؟!
إستمعتُ إليها في صمت ودموعى تسيل ، لا أعرف ماذا أفعل كى أساعدها ، غير أنى وعدّتها سآتى بمن يتحدث مع هذا الشاب للتنازل وتقسيط المبلغ
لعله يستجاب.
بقلم : سالمه حسنين
كلام مفيد 1
تعليقات
إرسال تعليق